المدونة

ماذا أعددنا لما بعد كورونا، منهجية العودة للمدارس؟

By نوفمبر 1, 2020No Comments
  • دور المدرسة في تحقيق الدعم النفسي للطلبة

مع بدء اتخاذ الحكومات قرار تخفيف القيود التي فرضتها جائحة كورونا، وما صحبها من قرار العودة للمدارس حيث يستعد الطلبة والمعلمون للقاء وجهًا لوجه من جديد، لكننا لا ننكر أنّ لهذا اللقاء خصوصيته، هو لقاء سبقته الكثير من التحولات في فضاء التعليم والتعلم واختلفت فيه الأولويات، ويحتاج لمنهجيات جديدة تدعم الطلبة في الانتقال إلى الفصل الدراسي، وفي الوقت نفسه تدعم المعلمين في إدارة هذا الانتقال وتعزيز مشاعر الأمان وتخفيف حالة القلق التي تصاحب العودة، فحين اختلفت الأولويات صار لزاما تعديل وتطوير الخطط المدرسية بحيث تصبح خطط الدعم النفس للانتقال على رأس الأولويات. وفي هذه المقالة سنستعرض أكثر من جانب حول كيفية دعم هذا الانتقال. 

  • أثر الدعم النفسي

يشكل الدعم النفسي أساسًا في هذه المرحلة، فعلى الرغم من الوضوح الإعلامي العالمي حول طبيعة الفيروس، والحالات المصابة، وعدد الوفيات، وحالات الشفاء، وتطورات إنتاج اللقاح المعالج. إلّا أنّ هذ الوضوح قد يشكل عبئًا نفسيًّا على الطلبة على اختلاف أعمارهم. مما يحتاج إلى التدخل وذلك بالتحقق من صحة الطلبة النفسية بالاستماع إليهم وهم يعبرون عن مشاعرهم ومخاوفهم، ولا مانع من الحديث عن المشاعر التي صاحبت عودتهم للمدرسة سواء السلبي منها كالخوف والقلق، أو الإيجابي كتجدد الأمل السعادة بلقاء الرفاق والزملاء، وسيكون من المهم الإصغاء بعمق، حتى وإذا كانت هذه المشاعر شديدة أو مضطربة، ولابد من إظهار التفهم والتعاطف، وقد يكون السماح لطالب أو أكثر بإدارة جلسات الحديث أو تنظيمها توجهًا مقبولًا لأنها تتيح الفرصة لهم لتحديد قضاياهم وإبراز وجهات نظرهم، وبل وتساعد في فتح حوار حول طبيعة هذه المخاوف وكيف يمكن التخلص منها.

  • دور الإدارة المدرسية والمعلمين في توجيه الدعم النفسي للطلبة

لا شك أن الوضوح والصراحة هما المطلوبان في هذه المرحلة وليس الطمأنة،  سيتوجه الطلبة إلى مدارسهم وهم على الأرجح يحدوهم القلق والخوف، وهم بحاجة إلى بعض التأكيد من المحيط، وأقصد هنا الإدارة المدرسية بأن العودة للمدارس أمرٌ غير مقلق، ولكن من الضروري تجنب عبارات الطمأنينة العامة مثل “لا داعي للقلق”، أو “لا يوجد ما يدعو للخوف فمدرستنا آمنة”، فما يحتاجه الطلبة ليشعروا بالأمان هو أن نشاركهم البروتكولات  المعمول بها لحمايتهم، تشجيعهم على عرض أفكارهم حول تجنب المخاطر المصاحبة، ومدى شعورهم بالرضا حول العودة إلى المدرسة في ضوء الإجراءات التي اتبعت لحمايتهم. 

علينا في هذه المرحلة أن نشجّع ونعزّز لدى الطلبة مهارات التفكير الواقعي والتوصل إلى حلول لمخاوفهم الخاصة حيثما أمكن ذلك – “ما الذي يمكنك فعله هنا لتهدئة نفسك؟ ” أو “ما هي الخيارات المتاحة لدينا هنا بدلاً من مجرد تجنبها؟”

“حدد المشكلة وحدد الحلول الممكنة واختر الحل وجربه!” “لا تدع القلق ينتصر عليك”، “قم بالاستعداد للقاء زملائك”، “صمم كماماتك الخاصّة”، “اعتمد حقيبة خاصة من تصميمك لمواد التعقيم خاصتك”. ولا مانع أن تكون هذه العبارات هي جزءًا من تصميم ديكور الصفّ أو مرافق المدرسة كالمرافق الصحيّة والمداخل والساحات، كما ويمكن إرسالها كنشرات لهم قبل بدء الدوام المدرسي.

 

في مرحلة العودة للمدارس سنواجه كإدارة مدرسية وكمعلمين ببعض الأسر أو الطلبة الذين لا يمكنهم تخطي قلقهم وتخوفاتهم والموافقة  على العودة والتفاعل الاجتماعي مع المحيط، حيث أصبح العزل هو الشكل الأكثر أمنًا لهم، فهم على قناعة أن أي قدر من التخطيط لن يجنب أبناءهم/ يجنبهم الإصابة بالفيروس، والخوف بشكل طبيعي يشجع على الرغبة في الهروب، ولمثل هؤلاء لا بد من وضع خطة للعودة التدريجية إلى المدرسة، فعلى سبيل المثال قد تتوجه المدرسة للتشجيع على النهج التدريجي، فيقوم الطالب القَلِق بزيارة المدرسة لفترة قصيرة، أو الحضور الجزئي لساعة أو ساعات محددة، كما يمكن توجيهه للمرشد النفسي لوضع خطة تخطي القلق، أو استخدام أدوات مواجهة القلق أو المخاوف.

من الضروري أن ندرك أن تعزيز الطلبة وامتداحهم على تقبلهم العودة للمدارس وما تحلّوا به من شجاعة لتخطي قلقهم ومخاوفهم سيساعدهم هم وزملائهم على تجاوز محنة هذه الجائحة معًا، وعلينا أن نعبّر لهم أننا نثمن ونفخر بهم لمواجهتهم مخاوفهم وأننا نقدر مشاعرهم وقلقهم. 

  • أثر المعلم القدوة ودوره في تحقيق الدعم النفسي

لقد اعتدنا على سماع عبارة المعلم قدوة للطلبة، ونحن في هذه المرحلة الدقيقة أكثر ما يكون بحاجة أن نكون قدوة في سلوكيات التكيف الجيدة – الهدوء والصدق والاهتمام- لأنّ الطلبة سوف يتطلعون إلى معلميهم كقدوة ولا نستطيع أن ننكر دورنا كمحرك لهؤلاء الطلبة، لذا علينا أن نفكّر كيف نتعامل مع مخاوفنا، وضغوطنا، وكيف نتصرف على مدار اليوم 

إن السماح للطلبة بمعرفة تجاربنا مع القلق ومشاركتهم تجاربنا الشخصية سواء على المستوى العائلي أو العملي وما صاحبها من خوف وكيف استطعنا تجاوز الخوف والقلق.، بالإضافة إلى استراتيجيات التأقلم الخاصة بنا، يمكن أن يجعلهم يشعرون بالراحة ويخفف من مشاعر القلق التي تساورهم، ويمكن أن تزودهم بدليل لكيفية التعامل مع الموقف بأنفسهم.

في معظم الحالات، من المناسب أن نكون منفتحين وصادقين معهم بطريقة مناسبة من الناحية التربوية، خاصة في الإجابة عن أسئلتهم حول المستقبل. قد يعني ذلك:

  • مساعدتهم على فهم أن إغلاق المدارس في المستقبل قد يكون احتمالًا.
  • الاعتراف بأن زملائهم (أو معلميهم) قد يصابون بمرض. COVID-19
  • الصراحة بشأن المواقف المسببة للتوتر التي قد تحدث خلال العام الدراسي القادم والتي لم نتوقعها بعد.

يمكننا أن نعلن عن مخاوفنا وآرائنا أن هذه المواقف قد تكون مزعجة وأنّ التفكير فيها أمر صحي ومنطقي، ولكن يمكننا أيضًا حثهم محاولة التعامل مع الظروف يومًا بيوم، والاستمتاع باليوم الحالي بدلاً من القلق بشأن ما يخبئه المستقبل – خاصةً عندما يكون هذا المستقبل غير مؤكد إلى حد ما-.

قد تكون هذه المناقشات صعبة وليست سهلة، ولكنها ضرورية لمساعدة الطلبة على تخطي القلق كما وتوجههم للتعامل مع يومهم ومع الظروف المستقبلية بصورة أكثر مرونة وتقبل. ويمكن لدمج الوقاية من الفيروس ومكافحة القلق في الأنشطة والدروس اليومية وجلسات التأمل التي تعقد داخل الصف سواء في بداية الحصة أو في نهايتها. ويمكن أيضا تطويع المحتوى ليستجيب للعمر والجنس ولطبيعة المتلقي.

 

  • رؤية منظمة اليونيسف في توجيه الدعم النفسي عبر أنشطة التعلم

وتقترح منظمة اليونيسف بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية مجموعة من الأفكار والأنشطة الداعمة للطلبة على اختلاف مراحلهم وبناء على الاحتياجات المحددة (اللغة، القدرة، الجنس) وتقسم هذه الأنشطة تبعًا للمرحلة التعليمية وكما يظهر في الجدول (Unicef, World Health Organization):

مرحلة ما قبل المدرسة المرحلة الابتدائية
  • التركيز على السلوكيات الصحية الجيدة، مثل تغطية السعال والعطس بالكوع وغسل اليدين بشكل متكرر
  • القيام بترديد أغنيات وأناشيد موجهة أثناء ممارسة غسل اليدين لمدة 20 ثانية الموصى بها.
  • تدريب الأطفال “التدرب” على غسل أيديهم بمطهر اليدين
  • تطوير طريقة لتتبع غسل اليدين ومكافأة غسل اليدين المتكرر / في الوقت المناسب
  • استخدام الدمى لتوضيح الأعراض (العطس والسعال والحمى) وماذا تفعل إذا شعرت بالمرض (ألم الرأس، ألم المعدة، الشعور بالحرارة أو التعب الشديد) وكيفية إراحة شخص مريض 
  • تصميم الفصول بحيث تكون المقاعد متباعد وتدريب الأطفال على كيفية التوجه لمقاعدهم وتدريبهم على مدّ أذرعهم أو “الرفرفة بأجنحتهم” للتعبير عن أنهم يحتفظون بمسافة كافية لعدم لمس أصدقائهم.
  • تأكد من الاستماع إلى مخاوف الأطفال والإجابة على أسئلتهم بطريقة مناسبة للعمر؛ لا ترهقهم بالكثير من المعلومات. شجعهم على التعبير عن مشاعرهم والتعبير عنها. ناقش ردود الفعل المختلفة التي قد يواجهونها واشرح أن هذه ردود أفعال طبيعية لموقف غير طبيعي.
  • التأكيد على أن الأطفال يمكنهم فعل الكثير للحفاظ على أنفسهم والآخرين آمنين.

– قدم مفهوم التباعد الاجتماعي (الابتعاد عن الأصدقاء، وتجنب الحشود الكبيرة، وعدم لمس الناس إذا لم تكن بحاجة لذلك، وما إلى ذلك)

–  التركيز على السلوكيات الصحية الجيدة، مثل تغطية السعال والعطس بالكوع

وغسل اليدين

  • مساعدة الطلبة على فهم المفاهيم الأساسية للوقاية باستخدام التمارين التي توضح كيفية انتشار الجراثيم. 
  • توضيح سبب أهمية غسل اليدين بالماء والصابون لمدة 20 ثانية
  • تكليف الطلبة بتحليل نصوص/ مواقف تتحدث حول سلوكيات عالية الخطورة واقتراح تعديل لهذه السلوكيات.

 

المرحلة المتوسطة المرحلة الثانوية
  • التأكيد على أن الطلاب يمكنهم فعل الكثير للحفاظ على أنفسهم والآخرين آمنين.

–  التعريف بمفهوم التباعد الاجتماعي

 – التركيز على السلوكيات الصحية الجيدة، مثل تغطية السعال والعطس بالكوع وغسل اليدين

  • تذكير الطلبة بأنهم يستطيعون أن يكونوا أنموذجًا لسلوكيات صحية لأسرهم
  • تشجيع الطلبة على تجاوز فكرة وصم الإصابة بالفيروس.
  • مناقشة ردود الفعل المختلفة التي قد يتعرضون لها 
  • تشكيل الطلبة في مجموعات وجعلهم يروجون للحقائق حول الصحة العامة.
  • الطلب من الطلاب إصدار إعلانات الخدمة العامة الخاصة بهم من خلال المدرسة.
  • دمج التثقيف الصحي ذي الصلة في المواد الأخرى

– يمكن أن تغطي مادة العلوم دراسة الفيروسات وانتقال الأمراض وأهمية المطاعيم.

    – الدراسات الاجتماعية يمكن أن تركز على تاريخ الأوبئة وتطور السياسات الخاصة بالصحة والسلامة العامة

–  دروس التوعية الإعلامية/ الإرشادية يمكن أن تمكّن الطلاب من أن يكونوا مفكرين وصناع ناقدين، قادرين على التواصل الفعال.

  • التأكيد على أن الطلاب يمكنهم فعل الكثير للحفاظ على أنفسهم والآخرين آمنين.

– التعريف بمفهوم التباعد الاجتماعي

– التركيز على السلوكيات الصحية الجيدة 

دمج التثقيف الصحي ذي الصلة في المواد الأخرى

–  يمكن أن تغطي دورات العلوم دراسة الفيروسات وانتقال الأمراض وأهمية التطعيمات

– يمكن للدراسات الاجتماعية أن تركز على تاريخ الأوبئة وآثارها الثانوية وتحري كيف يمكن للسياسات العامة أن تعزز التسامح والتماسك الاجتماعي.

  • الطلب من الطلبة إصدار إعلانات الخدمة العامة الخاصة بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي والراديو أو حتى البث التلفزيوني المحلي.

–  دروس التوعية الإعلامية يمكن أن تمكّن الطلبة من أن يكونوا مفكرين وصناع نقديين، متواصلين فاعلين ومواطنين نشيطين

 

ختامًا، اليوم، وقد أصبح الطلبة مواطنين عالميين، فلا شك أنّ عوامل التغيير التي صاحبت هذه الجائحة ستفرز جيلًا من مقدمي الرعاية كعلماء وأطباء وتربويين هم بأمس الحاجة على التعلم بصورة مختلفة تقوم على تنمية التعاطف وزيادة المرونة لبناء مجتمع أكثر احتواءً أمانًا ورعاية. 

 

   غدير خالد الحطبة

 مستشار قسم التعليم والمناهج لشركة المفكرون الصغار

 

المصادر:

رسالة اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية للمدارس

 (Unicef, World Health Organization) دراسة بعنوان:

 From face-to-face teaching to online teaching: Pedagogical transitions

 Dr Petrea Redmond Digital Learning Research Network Faculty of Education University of Southern Queensland

اعتمادات المقالة:

المقالة الأصلية نشرت في مجلة اللّغة العربية “منهجيّات”، العدد (2)، خريف 2020

المحتوى الأصلي: https://www.manhajiyat.com/ar/node/209